عدنان بن عبد الله القطان

13 جمادى الأولى 1443 هـ – 17 ديسمبر 2021 م

—————————————————————————

الحمد لله جلّ جلاله، وجلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، سبحانه وبحمده، لا تحصى نعماؤه، نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المبعوثُ بالهدى ودين الحق، الذي ارتفعت به أعلامه، وعلا ضياؤه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه بدور الدجى وسناه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: الوطن، وما أدراكم ما الوطن، تلك الأرض ذات المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، والمرتبة السامية في نفس وقلب ووجدان كل شخص، حبّها كالدم المتدفق في الشرايين، والتعلق بها كالروح التي تترد داخل الجسد…من فطرة الله عز وجل التي فطر عليها الخلق، وسُنّته التي قضاها في العباد أن جعل الأوطان محبوبة في القلوب، مجبولة على التعلق بها النفوس، مقدّمة على جميع النفائس، فهي مراتعُ الصِّبا، ومدارج الخطى، ومنازل الطفولة، ومثوى الشباب، وملجأ الكهولة، ومنبع الذكريات، وموطن الآباء والأجداد، ومأوى الأبناء والأحفاد، ومهوى القلوب، ومجمع الأحباب، وملتقى الأصحاب، حبها دليل على الوفاء، والتعلق بها شاهد على العهد والانتماء والولاء ولله در القائل:

وللأوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ 

                                يَدٌ سَلَفَتْ ودَيْنٌ مُسْتَحَقُّ

حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلاً، ومن أجله تضحي بكل غالٍ ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة، ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلاً عبر البحار والمحيطات، ثم يعود إلى وطنه، وهذه النملة الصغيرة، تخرج من بيتها ووطنها، فتقطع الفيافي والقفار، وتصعد على الصخور، وتمشي على الرمال، تبحث عن رزقها، ثم تعود إلى بيتها ومأواها، بل إن بعض المخلوقات، إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، فالكل يحب وطنه، فإذا كانت هذه سنة الله تعالى في المخلوقات، فقد جعلها الله في فطرة الإنسان، وإلا فما الذي يجعل الإنسان الذي يعيش في المناطق شديدة الحرارة، وذلك الذي يعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارس، أو ذلك الذي يعيش في الغابات والأدغال، يعاني من أخطار الحياة كل يوم، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم! لذلك كان من الحقوق والواجبات الاجتماعية في الإسلام، والتي غرسها في فطرة الإنسان، حقوق الوطن والأرض التي يعيش فيها ويأكل من خيرها ويعبد الله تحت سمائها، وأول هذه الحقوق الحب الصادق لهذا الوطن.

وفي بيانِ هذه الفطرة والجبلة يقول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) فالإنسان الطبيعي (عدا المعذور أو المجبور على ترك وطنه)، مجبول ومفطور على ألا يفارق أرضه، ولا يبتعد عن وطنه، ولا يترحل عن منازله، بل تُحتّم عليه هذه الفطرة، وتوجب عليه هذه الجبلة، أن يجاهد ويقاتل عن أرضه إذا دعت الحاجة، وأن يبذل من أجلها الروح إذا استدعى الأمر، قال الله تعالى: (قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا، قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)

لذلك كان المؤمنُ؛ صادقُ الإيمان يجدُ صُعُوبَةً ومشقة في فُقْدَانِ الْوَطَنِ، وَالْمُهَجّرُ من وطنه يجد الشوق واللهفة والحَنِينَ إلى بلده وأرضه.

فالوطن مهما كان وضعه أو صفته، ومهما كانت صعوبة الحياة عليه أو سهولتها، لا يمكن أن يُكره أو يُبغض أو يتنكر له أو يعادى، يقول عبد الملك الأصمعي رحمه الله: (الإِبِلُ تَحِنُّ إلى أَوْطَانِهَا، وَإِنْ كَانَ عَهْدُهَا بِهَا بَعِيدَاً، والطَّيْرُ يَحِنُّ إلى وَكْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مُجْدِبَاً، والإِنْسَانُ يَحِنُّ إلى وَطَنِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ نَفْعَاً منه)

بلادٌ ألِفْناها على كل حالةٍ وقد

                                 يُؤْلَفُ الشيء الذي ليسَ بالحَسَنِ

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم أسوة ومثل في حبّ الوطن، والتمسك بالأرض، فها هو يقف على مشارف مكة، وقد أجبره قومه على مغادرتها، وأرغمه المشركون على الرحيل عنها، فقال وهو يحدثها بكل أسى، ويشكو إليها بكل حزن، وكأنه يخاطب شخصاً يسمعه ويشعر به، فيقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: (واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ والله). بل وصل به الحال من شدة حبّه لوطنه، وتعلقه بأرضه أن كان يدعو الله تبارك وتعالى بقوله: (اللهم حبّب إلينا المدينة كحبّنا مكّة أو أشدّ)، حتى صارت المدينة محبوبة إلى قلبه، فكان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي: أسرع بها) وإذا كانت دابة حرَّكها من حبها). وفي هذا الحديث دلالة على فضلِ المدينة، وعلى مشروعية حبِّ الوطن والحنين إليه.

ولشدة حبه صلى الله عليه وسلم للوطن، فقد علم وأمَر أمته سرعة الرجوع إلى أوطانهم عند انقضاء أسفارهم وحاجاتهم سواءً منها الدينية أو الدنيوية؛ فقد صح  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سفره، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ  بل إنه عليه الصلاة والسلام دعا إلى الرجوع إلى الوطن ولو كان السفر إلى مكة بيت الله الحرام؛ فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ  رضي الله عنها  أَنَّ النبي  صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ، فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لأَجْرِهِ). قال أهل العلم: المراد بأهله أي وطنه وإن لم يكن له فيها ولد أو أهل.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن حماية الأوطان مسؤولية الجميع، فهي مسؤوليةُ قائمةٌ ما بقيت روح في جسد، وما ترددت حياة في بدن، من صرخة الميلاد الأولى إلى شهقة الموت الأخيرة. فكل منا يتوجب عليه أن يبذل من أجل وطنه ما استطاع على قدره وطاقته، وحسب مجهوده ومكانته، ومن مكانه الذي هو فيه، فإن كان في مقدمة القوم وفي صدرهم كبرت عليه المسؤولية وعظم في حقه البذل، وتوجب عليه التفاني في العطاء، ومن كان في الساقة وجب عليه أن يبذل ما استطاع وقد أعذر.

كما ينبغي علينا الوفاء للوطن، والإخلاص في خدمته والسعي إلى وحدته ولُحمته، ونشر المحبة بين أفراده ومواطنيه جميعاً، وتثبيت قيم الولاء له والطاعة لولاته وحكامه.

أيها المؤمنون: الحديث عن الوطنية حديث عن كل لا يتجزأ، وعن نسيج متكامل من المبادئ والقيم لا تتفرق، جوهر ذلك كله وكنهه ومؤداه: بيعة في رقبة، وأداء للحقوق والواجبات، وولاء وطاعة لمن ولاه الله علينا، وعدم نزع يد من طاعة أو شقّ عصا الجماعة، وخدمة لهذا الوطن حتى يكون في مصافّ الدول المتقدمة، والأمم المتطورة الظاهرة.

إنّ الناس عباد الله في محبة الأوطان صنفان: الصنف الأول: أولئك الصادقون المتنبهون النابهون، الباذلون من أوقاتهم وراحتهم وعرقهم ودموعهم ودمائهم من أجل هذا الوطن وفي سبيل أمنه وأمانه وتقدمه وازدهاره، كل يومٍ هم في شأن من الخدمة جديد، لا تفتر قواهم، ولا تخور هممهم، ولا يعتريهم عجز ولا كسل، تراهم في كل مضمار يتسابقون، وفي كل صعيد يتنافسون، لهم في جانب العلم القدح المعلَّى وفي صنائع المعروف السهم الأوفى، وفي الدفاع عن الدين والأرض والعِرْض النصيب الأسمى فأينما يمَّمْتَ وجهك رأيتهم متقدمين وأينما توجهت وجدتهم متصدرين أولئك من الفائزين الرابحين.

 الصنف الثاني: قوم ليس لهم من حب الوطن إلا الدعاوى بلا براهين، حبّ زائف، وتعلّق كاذب، لا يقدمون شيئاً ولا يتقدمون ولا ينافسون في الخير ولا يتنافسون، ومع ذلك هم أصحاب مصالح وتملق، إن أعطوا رضوا وإن لم يعطوا سخطوا، أعداء لكل ناجح، ألداء لكل طامح، كل بضاعتهم الكلام ولا يحسنون غيره، ولا يبذلون لهذا الوطن جهداً ولا مجهوداً.

أيها المسلمون: إن الوطنية والمواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة، ودعوة إلى الخير والصلاح، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالحب والشوق إلى الوطن حتى وإن كان لا يعيش الفرد في مرابعه… فأين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الغدر والخيانة والعبث بمقدراته، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة! أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإسلام، والإيمان والتوحيد والعقيدة.

عباد الله: إن من حقوق الوطن أن يسعى كل فرد فيه للحفاظ عليه وتنميته وازدهاره، ليشعر جميع أفراده أنهم متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بينهم ولا تمايز، فحب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات، بل هو مرتبط بسلوك الفرد المحب ارتباطًاً لا انفكاك منه، يلازمه في كل مكان، في حله وترحاله، في المنزل والشارع، في مقر عمله وفي سهوله ووديانة… حب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، حب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسئولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌّ حسب مسؤوليته وموقعه، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه والولاء لقيادته وولاة أمره، حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والتعايش والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نلتزم بتعاليم ديننا في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه والله الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ بلادنا الحبيبة البحرين، من كل سوء ومكروه وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان، والتمسك بدين الإسلام، وأن يؤلف بين قلوب أبنائها رعاة ورعية، وأن يحفظ ويوفق قادتها وولاة أمرها وشعبها إلى كل خير، إنه ولي ذلك والقادر عليه..

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: تعيشُ مملكتنا الغالية البحرين في هذه الأيام، مناسبات عزيزة غاليةٌ على نفوسنا، ألا وهي احتفالاتها بذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس الأول أحمد الفاتح رحمه الله، ككيان عربي إسلامي عام 1783م والذكرى الخمسون لانضمامها في الأمم المتحدة، دولة كاملة العضوية، والذكرى الثانية والعشرين لتسلم جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في البلاد، والذكرى السابعة ليوم الشهيد، وذكرى يوم الشرطة البحرينية البواسل الأوفياء، وذكرى يوم المرأة البحرينية، وهي أيام عزيزة يتأكد فيها الولاءُ للوطنِ، عَمَلاً وإخلاصاً، وجِدَّاً وبناءً، ودفاعاً وتفانياً.. وتُجَدَّدُ فيها البيعةُ والولاءُ

للقيادةِ الرشيدة نُصْحَاً، وطاعةً، وتعاوناً ومؤازرة. وإن التذكيرَ في مثلِ هذه المناسبات، بحب الوطن وتجديدِ عَقْدِ البيعةِ، وعَهْدِ الولاءِ لوليِّ الأمر وللوطنِ وقيادتِه أمانةٌ في عُنُقِ كل مخلصٍ غيورٍ على أرضِه ووطنه.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إنَّ قِيَمَنا الإسلاميةَ وتعاليمنا القرآنية، تَحُثُّنا على العملِ بإخلاصٍ لتحقيقِ أمنِ الوطنِ واستقرارِه ورخائِه وتقدمِه ورُقِيِّه، فإنَّ خدمةَ البلاد والعباد نوعٌ من أنواع العبادة العامةِ، التي يَتَقرَّبُ بها المسلم إلى ربِه ومولاه. وإننا اليوم أحوجَ ما نكونُ إلى أنْ نتسامح ونتصالح، ونتصافح ونتناصح ونتكاتف، ونفتحَ صفحة جديدة ملؤها الحب والوفاء والإخلاص للجميع، ونضع أيديَنا في يدِ كلِ مخلصٍ غيورٍ على هذا الوطن، ونلتفَ جميعاً حولَ قيادتِه الرشيدة، لنقطعَ الطريقَ أمامَ كُلِ حاقِدٍ أو طامعٍ أو مُعْتَدٍ، ونَقِف سداً منيعاً وصفاً واحداً قوياً أمام تحدياتِ الداخلِ والخارج… وإننا من خلال هذه المناسبة العزيزة ندعو الجميع كلاً من واقع مسئوليته إلى الدفع باتجاه التنمية والتطوير والتحضر والحفاظ على أمن البلد واستقراره وعدم الوقوف حجر عثرة أمام هذا المشروع الإصلاحي الكبير الذي أرساه جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه والذي توافقت وأجمعت عليه كافة الأطياف، ونخص بالذكر العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين والخطباء ونواب الشعب والقائمين على الجمعيات والمؤسسات.. إذ ندعوهم جميعاً إلى القيام بواجباتهم تجاه الوطن والمجتمع ومواصلة النصح والإرشاد والإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة والعمل على ترشيد الخطاب الديني والسياسي، ونبذ الطائفية والإرهاب والعنف، وتحكيم الشرع والعقل وتصحيح الفكر المنحرف لدى بعض الفئات الطائفية المتعصبة، التي يسوقها الحماس المندفع من شباب الوطن إلى طريق مسدود ليست في صالح أحد، وهي ليست من الدين في شيء، ولا هي في صالح الوطن ولا المواطن، حيث إنَّ مهمة علماء الدين في تصحيح مسار دعاة العنف والإرهاب والتخريب يرتكز على ضرورة تحقيق قاعدة اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وترسيخ ثقافة التعايش السلمي، وتأكيد مبدأ الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم وما دعا إليه الدين الحنيف من طاعة ولاة الأمر في المعروف، وصولاً إلى مجتمع تسوده روح المحبة والإخاء وينعم بالأمن والأمان والاستقرار والرخاء والوحدة.

نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا بلادنا البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ علينا أمننا وأيماننا ويجعلنا حماة وجنداً لهذا الوطن الغالي.. اللهم سدد على طريق الخير خطى ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم بارك لهم في جهودهم وأعنهم على تحقيق آمال وطموحات مواطنيهم، وما يصبون إليه من تقدم وتطور ونماء وازدهار ورخاء.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولي عليهم خيارهم ولا تسلط عليهم شرارهم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا وأغث قلوبنا بالإيمان والتقوى، وبلادنا بالأمطار والخيرات يارب العالمين.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين…اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير..

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

    خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين